امتيازات القانون المنظم للمهنة لم تحد من تفشي الإخلالات بالجهاز
أعادت قضية تورط أمنيين من تمارة والصخيرات، في شبكة لترويج المخدرات، الحديث عن مدى استطاعة القانون المنظم لرجال الأمن الحد من ظاهرة تورط بعضهم ضمن عصابات إجرامية من خلال تسهيل عملها، ورغم أن القانون الذي حمل امتيازات عدة لرجال الأمن كانت إلى وقت سابق مجرد أحلام، إلا أن ذلك لم يحد من الظاهرة التي تشكل بالفعل خطرا حقيقيا على أمن المجتمع، بالنظر إلى المهمة الموكولة إلى رجال الأمن والتي تتمحور أساسا في حماية المجتمع ومحاربة الإجرام بشتى أنواعه.
إلا أنه في الحالة التي يتحول فيها حامي الأمن إلى منتهكه إما بالمشاركة في الجريمة أو التستر عليها، يطرح السؤال عن السبب الرئيس في تورط الأمنيين في هذه الشبكات، هل هو العوز المادي الذي كان في وقت سابق يتضرع به بعضهم، وتقاعس الإدارة في إيجاد حلول مناسبة للرقي بالمهنة، وارتفعت ساعتها أصوات تطالب بضرورة الاهتمام بالأوضاع المادية والمهنية لرجال ونساء الأمن وضمان أمنهم الاجتماعي وأمن أسرهم وعائلاتهم ومستقبلهم، على اعتبار أن الأمر يشكل ضمانا لأمن المجتمع واستقراره وحمايته من الانزلاقات والآفات وظواهر الجريمة والرشوة والفساد المالي، والبحث عن الوسائل الكفيلة لمحاربتها بالنظر إلى أن محاربة أي ظاهرة كيفما كانت تتم أولا عبر الوقوف عند أسبابها ومحاولة علاجها ثم بعد ذلك محاربتها، الشيء الذي انطلق بحصول رجال الأمن على تعويضات تكفيهم سؤال الغير، وتضمن لهم الحد الأدنى من العيش الكريم، وهو ما يمكن أن يستشف من تلك الزيادة التي تعفي رجال الأمن من الإساءة إلى وظيفتهم بسلوكات مشينة.
لكن رغم إحداث التغيير الذي طالبوا به، إلا أنه مازال الحال على ما هو عليه بل يزداد تفاقما عندما يتحدث بلاغ أخير، صادر عن المديرية العامة للأمن الوطني عن اعتقال مجموعة منهم بسبب تواطئهم مع أحد بارونات المخدرت، وتعاملهم معهم لمدة زمنية ليست باليسيرة، وأوضح أن إلقاء القبض على المتهم الرئيسي وشريكه مكن من حجز كمية من الشيرا، والأقراص المهلوسة فضلا عن أسلحة بيضاء، وهواتف محمولة، تستعمل في التواصل مع المتواطئين معه.
وأضاف البلاغ أنه جرى توقيف عدد من عناصر الشرطة بالمنطقة الأمنية الصخيرات تمارة، للاشتباه في تواطئهم مع المتهم الرئيسي في هذه القضية، وخلال البحث معهم تم اعتقال مجموعة منهم وإحالتهم على السجن، بسبب تورطهم في التستر على مجرم خطير كان موضوع مذكرات بحث ولم تنفذ في حقه وظل حرا طليقا بسبب الإكراميات التي كان يمنحها للمتسترين عليه.
قضية ما أصبح يعرف بولد هيبول ليست الوحيدة التي يتواطأ فيها رجال الأمن مع بارونات المخدرات، ولن تكون الأخيرة، فالجهاز يعاني من فيروس فتاك نخر جسمه كثيرا. فيروس الرشوة الذي على المديرية العامة للأمن الوطني، لمحاربته اعتماد الصرامة في تحريك الإجراءات الزجرية في حق أي مخالفة يرتكبها رجل الأمن، من خلال تفعيل دور المفتشية العامة للأمن الوطني والتي تعمل على مراقبة الاختلالات والتحقيق في كل الشكايات كيفما كان نوعها والتصدي لكل الانحرافات، بهدف وضع الجهاز الأمني على سكة الحكامة الأمنية الجيدة، واعتبار ذلك نقطة البداية لإصلاح جهاز حساس، عاش ويعيش على وقع اختلالات طالت رجاله، وأضحوا محط متابعة في قضايا عدة، سواء بتقاعسهم في أداء مهامهم أو بالتغاضي عن أنشطة إجرامية مقابل عمولات، وكلها اختلالات تولدت عما عاناه الجهاز في الفترات السابقة، من لامبالاة، كرست سلوكات غير قانونية جعلته محط اتهام، بالنظر إلى عدد الخروقات المرتكبة، وتورط رجاله في العديد من القضايا.