ظلت ” أولاد تايمة ” كلها تبحث عنه قبل أن يعلن أن يداه أخيرا أصبحتا في حكم المشلولة حركتهما ويسري الخبر كالبرق كأنه عيد استثنائي ! . كان مفتول العضلات ويستهل يومه بتفقد دراجته النارية وإزالة ماعلق بمنجله المتوسط ، يضيف إلى العدة نظارات سوداء تخفي وجهه بيد أنه يبعث سياط نظرات شرزاء من ورائها إلى العالم الذي يحيط به . بعد أن يظل ” خارج التغطية ” بفعل ماكان يتناوله مما تيسر له من المخدرات، يطلق العنان لمحرك عربته الناقلة بسرعة لاتضاهى ، وما أن تستقر عيناه على ضحية بعد أن تتفرس ملامحه بدقة ، وفق مواصفات تعتمد نحافة بنية الضحية أو بلوغه من الكبر عتيا ، و سواء كان من الجنس الخشن أو الناعم .
” بومنجل ” ، كان يعرف هدفه ويتجه إليه مباشرة ليعنفه ويسلبه مابحوزته . كان ذلك ديدنه في الخطة الاعتيادية ، التي ينفذ من خلالها عملياته التي كانت توصف بالجنونية ، بالنظر لشراستها والعنف الذي يسمها. لم يكن أحد يفك شفرة هوية الشخص الذي يمتلك كل هذه الجرعات الفائقة من الجرأة في اقتراف تلك العمليات الدقيقة ، وبدا ثقل الاستفهام حول المعني جاثما فوق رؤوس الجميع ، فالسرعة والفرار ظلا نقطة قوة يلعب بها المتهم في مرمى الباحثين في كل وقت ، لايملكون مفاتيح خريطة اتجاهاته ولا غايته الحقيقية من أعماله القاسية تجاه ضحاياه ، فلم يكن يتوقف في معظمها عند حدود سرقة ما يتوفر لحظتها لدى الضحية / الهدف ، بل كان يعقبها بتوجيه ضربات ذات وقع بالغ على جسد الضحية المغلوب على أمرها بواسطة ” المنجل ” الشهير بين أوساط ساكنة ومحيط المنطقة . لم تكن أداة أفعاله سوى الخيط الذي كان السكان يعتمدونه للتدليل على أوصافه والتواضع على لقبه ” بومنجل ” ، فما دون ذلك كان عصيا عليهم الاهتداء إلى تحديده . ظل سائر أجهزة الدرك الملكي بمراكزها في عمالة تارودانت ، في حالة استنفار وسرعة ثانية من المراقبة حتى يسقط هذا الذي لم يكن أحد متى سيحين ذلك الأوان المشترك .
درجة الحذر والاحتراز لدى ساكنة مناطق أولاد تايمة وتارودانت ونواحيها ، دفعت معظمهم إلى حد تنبيه أطفالهم وفتياتهم من كل راكب دراجة نارية يدعو للاشتباه في هدفه، ومن مغبة السقوط ضحية ضربات منجله المرعب . ظل ” بومنجل ” يختفي ويعود ، وفي كل الفترات التي تفصل الزمنين كان العديد من الساكنة يضعون أياديهم فوق صدورهم ويمنون أنفسهم بلحظة توقيفه لوضع حد لذاك الرعب المريب الذي كان يشيعه بمنجله الذي يحمل العنف في رقبته .
استفاق المبحوث عنه صبيحة ذلك اليوم وبينما ظل يقذف طعام الفطور إلى فمه بإحدى الفضاءات بمنطقة أولاد تايمة ، وفي الواجهة المقابلة ظلت أعين عدد من الأشخاص تنتشي بصمت وهي لا تصدق أنها تقف على بعد أمتار يسيرة من الهدف . إنه ” بومنجل ” ، وكما يقول المثل ” صياد النعام يلقاها يلقاها ” ، بيد أن المتهم كان يتمتع بحدس مرهف وحذر بالغ ، فما كان منه ، بعد أن أحسن بأن أمرا غير طبيعي يحدث بمحيط ذلك الفضاء اضطر إلى الارتماء وبسرعة كبيرة على دراجته النارية لتطوي المسافات كالبرق نحو غابة قريبة من المكان ذاته ، وبالمقابل ، تعقبته دراجة نارية أخرى كان على متنها فردين إلى أن وصل نحو فضاء رملي اضطر معه إلى إطلاق سيقانه للريح للنجاة من قبضة مطارديه اللذين كانوا يعتبرونها اللحظة المواتية والذهبية لشل حركات هذا الشخص الغريبة أطواره والمريبة أفعاله . لم يقوى ” بومنجل ” على مواصلة الركض للإفلات ، ولم تسعفه بنيته القوية في السرعة ، فبعدما دنا منه المطاردون وجهوا له ضربات بعصا كانوا يحملونها فعلت فيه فعلتها فبدأت جرعات قوته في التقلص وكان يتحامل على جسده لعدم الاستسلام ، بيد أن التوازن خانه وظلت حركاته محدودة إلى أن أعلن سقوطه ليتم تصفيده بعدها من لدن الدرك الملكي واقتياده في نشوة عارمة إلى حيث يتم التحقيق معه بالمركز حول العمليات التي وقع عليها بمنجله المرعب والشكايات التي تلقتها المصالح الأمنية في مواجهته . البحث الذي تواصل مع المتهم المنحدر من سوق السبت ببني ملال ، انتهى بإحالته على العدالة وكأن غمامة مريبة قد انقشعت من سماء منطقة ” أربعة وأربعين ” أولاد تايمة ونواحيها .