جسد استنفار المصالح الأمنية بالبيضاء، في الآونة الأخيرة، مصالحها لمداهمة مقاهي الشيشة، رد فعل على خلل في المنظومة الأمنية في أكبر مدينة في المغرب دفعت في آخر حلقاتها إلى التدخل بتعليمات من النيابة العامة لإعادة استتباب الأمن.
حكاية الأمن بالبيضاء تثير العديد من الأسئلة، وتخفي نقطا سوداء لجرائم لم تنجح المصالح الأمنية في محوها، حتى أن مصالح الدرك الملكي داهمت أياما، قبل الحملة على الشيشة، خمسة مقاه يلعب فيها القمار توجد بالنفوذ الترابي لولاية الأمن، وانتهت بإيقاف أصحابها ومتابعتهم بفصول محددة من القانون الجنائي، تتعلق بتنظيم ألعاب القمار ومخالفة ضوابطها واستقبال القاصرين.
كان تدخل الدرك في مناطق نفوذ الأمن بمثابة تحد لولاية الأمن، فأياما بعد ذلك تمكنت مصالح الدرك الملكي بعين حرودة وعين السبع، خلال الأيام القليلة الماضية، من التدخل في مناطق نفوذ أمن البيضاء لإيقاف متهمين بتهريب السجائر ومداهمة مقاه مخصصة للقمار أو ما يعرف ب"الرياشة"، ولم تنته إلا بعقد المدير العام لمديرية الأمن، بوشعيب ارميل، اجتماعا طارئا دعا فيه إلى إعادة "التحكم" في العاصمة الاقتصادية ومراقبتها أمنيا إلى حين مرور العاصفة.. لكن ما السر وراء هذا التجاذب الأمني داخل العاصمة الاقتصادية؟
بدأت الحكاية بإعفاء المديرية العامة للأمن الوطني، بشكل مفاجىء، مسؤولين أمنيين من مهامهما، ويتعلق الأمر بكل من العميد «مصطفى رمحان»، رئيس مصلحة الشرطة القضائية للمنطقة الأمنية أنفا، والعميد «بوهبرة»، رئيس الشرطة القضائية لأمن الحي الحسني .
ظل مصطفى رمحان رئيسا للشرطة القضائية لأمن أنفا لمدة طويلة شغل قبلها مهام رئيس للدائرة الأمنية لعين الذئاب، وقبلها كان رئيسا لفرقة مكافحة العصابات بأمن أنفا وسكرتيرا لمكتب العميد الممتاز «عبد الحق بوزرزار، عندما كان الأخير يتحمل مسؤولية الشرطة القضائية لأمن أنفا، قبل تعيينه في المنصب نفسه في المنطقة الأمنية سيدي البرنوصي، في حين شغل العميد «بوهبرة» منصب رئيس مصلحة الشرطة القضائية لأمن الحي الحسني لمدة ثلاث سنوات، وتولى قبلها مهام الرئاسة بالنيابة للشرطة القضائية لأمن الحي المحمدي، فكيف تعفي المديرية العامة المسؤولين عن أحد أهم المناطق الأمنية؟
تضاربت الاحتمالات حول أسباب الإعفاء، إلا أن القرار تزامن مع ترقية عبد اللطيف مؤدب في إطار الترقية التي أعلنت عنها المديرية العامة للأمن الوطني من رتبة مراقب عام إلى وال للأمن، ومن ثم تثبيته واليا على أمن الدار البيضاء الكبرى، بعد أن ظل شهورا عديدة في منصب والي أمن المدينة بالنيابة مباشرة بعد إعفاء الوالي السابق مصطفى الموزوني.
حركة الإعفاء، جاءت مباشرة بعد غضبة المدير العام للأمن الوطني بوشعيب ارميل، خصوصا بعد تدخل رجال الدرك الملكي في المدار الحضري للمدينة، واعتقال متهمين في حالة تلبس، في النفوذ الترابي للشرطة التابعة للولاية، إذ جاء تدخل رجال الدرك الملكي مرتين في شهر واحد، الأولى حجز الأطنان من مادة «المعسل» قرب من شارع الحسن الصغير، والثانية اعتقال مروج كوكايين مبحوث عنه منذ 3 سنوات بالحي الحسني، وكذا الارتجالية والارتباك في اعتقال معاذ بلغوات الملقب ب»الحاقد» أحد حركيي 20 فبراير.
كل التقارير، تضيف مصادر وجود خيط ناظم بين وجود مهرب لكوكايين يعيش في بحبوحة وسط الدارالبيضاء، رغم أنه مبحوث عنه، ورغم أن أجهزة أخرى تلاحقه، مما طرح عدة أسئلة كانت سببا في إيقاف المسؤولين.
ولأن المسؤولين في الأمن لم يقدروا حجم ضرر السكان من تعدد الجريمة، فقد بادلوهم بأحساسيس متباينة، فقد دعا المدير العام للأمن الوطني في أحد الاجتماعات بولاية البيضاء كل المسؤولين إلى الحزم في مواجهة الجريمة، في حين لقي تدخل مصالح الدرك الملكي في البرنوصي وعين السبع ترحيبا كبيرا من طرف السكان، وردد بعضهم عبارات من قبيل:»عاش الملك.. عاش الدرك الملكي»، في رسالة إلى المصالح الأمنية التي فشلت في مواجهة مقاهي القمار.