أمنيون ودركيون وجمركيون وقضاة يوفرون الحماية لبارونات التهريب والمخدرات والهجرة السرية والدعارة
أن تضطر وزارة الداخلية إلى إخبار الرأي العام، عبر بلاغ رسمي، بتورط بعض عناصر من رجال الأمن والشرطة، برتب مختلفة، في شبكات لتهريب المخدرات بعدد من مدن المغرب، يعني أن الأمر تجاوز حدودا معنية، ولم يعد ممكنا التزام قانون الصمت والتحفظ، ما دام الموضوع يقع في خطوط تماس مع أمن الدولة والمؤسسات وسلامة الأشخاص والمواطنين، ما ينذر بمخاطر لا أحد يتكهن بتداعياتها على البلد ومستقبله. بلغة صريحة لا تقبل التأويل، قال امحند العنصر، وزير الداخلية، "إن رجال الأمن المتورطين كانوا يؤمنون الحماية لعناصر شبكات إجرامية تنشط في تهريب المخدرات وفي قنوات للهجرة السرية"٬ علما أن هؤلاء المشتبه فيهم هم موضوع مذكرات بحث بتهم تشكيل عصابات إجرامية ولتورطهم في الترويج الدولي للمخدرات.
هنا تكتمل عناصر حكاية بطعم الألم: رجال قانون، من المفروض أنهم يمثلون الدولة ومصالحها ويرتدون زيها الرسمية ويحملون شاراتها ويتقاضون أجورا وتعويضات عن مهام تتعلق بأمن وسلامة المواطنين، يتحولون إلى موظفين ومستخدمين وحراس خاصين لأشخاص خارجين عن القانون وتابعين "أوفياء" لبارونات المخدرات وزعماء شبكات الهجرة السرية والتهريب الدولي يتسترون على أنشطتهم غير القانونية ويوفرون لهم الحماية والمعلومات الضرورية لإبقائهم خارج المساءلة القضائية.
يبدو الأمر، للوهلة الأولى أشبه بجريرة خيانة عظمى للوطن تستجوب "غراقا" كفؤا يرافع أمام هيأة المحكمة بصوت جهوري مزلزل، مطالبا بإنزال أقسى العقوبات على أصحابها، لكن سرعان ما يتحول هذا السلوك إلى موضوع للتأمل والتحليل من زوايا مختلفة، حين نكتشف أن تورط عناصر تنتمي إلى سلك الأمن ليس حالة معزولة عن ممارسات مشابهة تكاد تخترق جميع أجهزة الدولة التي لها علاقة بسلطة القانون، وقد يتساوى، في ذلك، رجل الأمن مع رجل الدرك، والجندي الذي يقوم الليل لحراسة الحدود، مع القاضي الذي يجلس في مكتب مكيف، وضابط الشرطة مع القائد والباشا، والمسؤول في إدارة الجمارك مع القبطان في القوات المساعدة.
فماذا يجري، بالضبط، حتى يقبل رجل قانون توفير الحماية للخارجين على القانون؟ وهل يتعلق الأمر فقط بحاجة اجتماعية لعدد من رجال الأمن والدرك والقوات المساعدة الذين تدفعهم الفاقة وقلة ذات اليد إلى طلب مدخول إضافي عن طريق عمل غير مشروع؟ وإذا كانت الحالة هذه، كيف يمكن تكييف قضايا أخرى يتورط فيها موظفون شبه سامين يحملون فوق أكتافهم نياشين ورتبا إدارية تدر عليهم الملايين كل شهر في شكل رواتب وتعويضات عن المهام؟ والأخير، هل يصح، دائما، تعليق هذه "المصائب" على شماعة إفلاس القيم الاجتماعية والأخلاق المهنية التي يتحمل مسؤوليتها المجتمع برمته، وليس فقط عناصر أمن وقضاة ودرك هم في الأخير جزء من هذا المجتمع وسلوكاتهم انعكاس حقيقي له؟
ومهما يكن، فلا يمكن تبرير تواطؤ رجل قانون مع خارج عن القانون من أجل تخريب البلد وتهديد أمنه وأمن مواطنيه وتقريب المخاطر منهم. كما لا يجوز إيجاد مسوغات لسلوكات منافية للطبيعة الإنسانية، إذ كلما وجد الشر من المفروض أن يوجد الخير في الطرف النقيض له ، ولم يحدث أن تحالف الشر والخير وإلا وقعت الكارثة.
في كثير من الأحيان، يلجأ بعض رجال الأمن وأفراد القوات المسلحة، من الرتب الدنيا، وعناصر التدخل السريع والقوات المساعدة إلى تبرير تعاونهم مع شبكات تهريب المخدرات والمتاجرة فيها والتواطؤ مع شبكات التهريب والهجرة السرية بحاجة ماسة إلى مدخول إضافي، باعتبار أن الرواتب الهزيلة الذي يتقاضونها من الدولة لا تكفي لسد الحاجيات الدنيا من العيش الكريم، لكن الأمر قد يصبح بلا منطق إذا علمنا أن اختيار مهنة ما أو وظيفة في الدولة يكون عن قناعة واختيار وعلم مسبق بقوانينها التنظيمية ومدخولها وأفقها الإداري والمهني.
مبرر الفاقة الاجتماعية يتحول أحيانا إلى سلاح يرتد على أصحابه، حين تصدر وزارة الداخلية بلاغات رسمية تعلن تورط رجال أمن ودرك برتب عليا وأجور وتعويضات "محترمة" في شبكات لترويج المخدرات ومد يد العون إلى "بارونات" لتسهيل مهامهم والقبول بالاشتغال "متعلمين" عندهم مقابل ملايين من الدراهم تصل تباعا، بداية كل شهر، إلى حساباتهم البنكية.
وشكلت حالة عبد العزيز.إيزو، المسؤول الأمني عن الإقامات الملكية، سنة 2006، حالة صادمة، حين كشفت التحريات عن تورطه في شبكات كان يديرها منير الرماش والجبلية ومحمد الطيب الوزاني (النيني) والشريف بين الويدان، ما يؤكد أن الأمر لم يعد فحسب مقتصرا على إغراء أفراد معزولين من رجال الأمن والدرك، بل بخطة لاختراق دواليب الدولة لضمان حماية أكبر لتجارة غير مشروعة.
ولأن الأمر يتعلق بعمل غير قانوني، كثيرا ما تحول تعاون رجال الأمن ودرك وقضاة وجمركيين وحراس حدود مع شبكات التهريب مقابل رشاو ومبالغ مالية قذرة إلى عمل منظم عن طريق شبكات موازية لها مصالحها وعلاقاتها وقوانيها الخاصة، إذ يصعب، مثلا، أن تجد ضابط أمن متورط، دون أن يحاول ترويط قاض أو مسؤول في مؤسسة عمومية، أو مالية حتى يحافظ على نوع من الصمت مدفوع الثمن.