[تصاعدت في الآونة الأخيرة، لماذا ينتحر رجال الشرطة؟]
في فرنسا لما تواترت حالات الانتحار في صفوف موظفي شركة «فرانس تيلكوم» اهتزت الطبقة السياسية مثل شخص تعرض للارتجاج في المخ، ليس لفعل الانتحار في حد ذاته، بل لكونه تناسل بشكل لافت في إحدى أهم المقاولات الفرنسية الناجحة.
وفي الصين لما توالت حوادث الانتحار بالشركات بالقفز من الطوابق العالية جدا، وضعت النخبة الصينية يدها على القلب مخافة انهيار كلي للاقتصاد خاصة وأن الانتحار تزامن مع تحقيق الصين لنسبة نمو تفوق 10 في المائة وهو ما لم تسجله أي دولة بالعالم.
لكن في المغرب، ورغم تزايد حالات الانتحار في صفوف قوات الأمن، فإن الظاهرة لم تحرك ساكنا لدى المسؤولين (حكوميين أو برلمانيين)، علما أن قوات الأمن تنتمي -حسب ما يسمى في العرف السياسي- إلى الجهاز السيادي بكل ما تحمله كلمة «سيادة» من معان ومن شحنات.
اللافت أن الانتحار في صفوف رجال الأمن تزامن مع الزيادة في الرواتب وفي التعويضات وفي إصلاح الترسانة القانونية الخاصة بهذه الفئة من الموظفين (إصدار نظام أساسي خاص بالبوليس) وفي تسريع وتيرة الترقية، مما يجعل من المشروع التساؤل حول الدواعي التي تجعل الشرطي يصوب مسدسه ليس نحو المجرمين بل نحو نفسه لقتلها بدون موجب حق. إذ كان من المفروض أن تؤدي الإجراءات الأخيرة (زيادة في الأجور، نظام قانوني جديد إلخ...) إلى تطبيع الجهاز الأمني مع محيطه وتوسيع مساحات الاطمئنان لدى البوليس وليس العكس.
وجاهة السؤال ترتبط أيضا بكون الموظف المدني العامل في مرافق أخرى (الصحة، التعليم، التعاون الوطني، التجهيز، البريد، القرض الفلاحي، إلخ..) لا يوجد في وضع مادي مريح جدا مقارنة مع زميله الشرطي، ومع ذلك فإنه (أي الموظف المدني) لا يلجأ إلى الانتحار بالشكل المرتفع المسجل عند البوليس مما يجعل الأضواء تسلط -وهذه مجرد فرضية- على جوانب أخرى مرتبطة بظروف العمل الأمني ونظرة الرؤساء للبوليس وتمثل المحيط المجتمعي لعمل الشرطة، إلخ...).
«الوطن الآن» وأمام غياب معطيات رسمية موثوق بها، اختارت ملامسة الموضوع من زاوية الإنصات لرجال الشرطة أنفسهم وللباحثين في ميدان علم النفس وعلم الاجتماع عسى أن تلتفت الجامعة المغربية لتوجيه البحوث لتفسير الظاهرة للرأي العام المتعطش إلى رؤية شرطة قوية تسند المجتمع في مواجهة الجريمة وليس إلى شرطة منهارة المعنويات المعتنقة لديانة العدمية والانتحار. فلا دولة قوية بدون شرطة قوية.