الجهاز يعاني خلل الاختراق الذي يطيح برجالاته
على مدى السنين الماضية، استطاعت شبكات الاتجار في المخدرات، أن تخترق الأجهزة الأمنية في المغرب، كعمل استباقي يقيها شر المتابعة ويتيح لها الحماية الضرورية، وكلما تم تفكيك عصابة إجرامية
أطيح بعدد لا يستهان به من رجال الأمن. العديد من الملفات التي أطاحت برؤوس أمنية،
أشارت إلى فيروس الاختراق الذي يعانيه الجهاز.
ورغم أن هناك ملفات كبرى حوكم فيها أمنيون برتب مختلفة إلا أنها لم تحقق الردع.
اندلعت الشرارة الأولى لهذا الاختراق بملف فتيحة الجبلية أواخر 2004 واستمرت طيلة سنة 2005. وتعتبر الجبلية من أهم أباطرة المخدرات بمدينة سلا، وكشفت، خلال التحقيق معها، أنها كانت تحظى بتغطية أمنية مقابل عدم اعتقالها، وأنها كانت تغدق الأموال على مختلف المسؤولين الأمنيين. مباشرة بعد تصريحاتها، أصدر المدير العام السابق للأمن الوطني قرارات توقيف قرابة 30 من العاملين بسلك الأمن تتفاوت رتبهم ما بين شرطي عاد وعميد أمن، في انتظار البت في ملفاتهم وإصدار قرارات في حقهم تبدأ من التأديب والإعفاء الى حد عرضهم على القضاء لمحاكمتهم، لتنضاف إليها قضية منير الرماش، أحد أباطرة المخدرات بالشمال، والذي كشف التحقيق معه عن تورط العديد من المسؤولين بعضهم أحيل على العدالة، ومباشرة بعد ذلك اندلع ملف الشريف بين الويدان، الذي أطاح لأول مرة بمدير أمن القصور، وثبت بالملموس أن الاختراق الذي تعيشه الأجهزة الأمنية خطير جدا، وأن مافيا الاتجار في المخدرات استطاعت بسط نفوذها على أجهزة أمنية عدة.
لقد تحولت تجارة المخدرات، إلى مصدر للسلطة، من خلال استغلال مروجيها بعض عناصر الأجهزة الأمنية، في خدمتهم بدلا من أداء المهام الموكولة إليهم، وذلك بفضل المبالغ التي يغدقونها عليهم والتي قد تفوق رواتبهم الشهرية.
واستطاعوا تكريس هيمنتهم وتوريط رجال الأمن في شبكات قد تتعدى إطار الحدود الوطنية لتكون جزءا من المافيا الدولية العاملة في تهريب المخدرات، وربما البشر والأسلحة، كما قد تكون لها نشاطات أخرى خطيرة.
فجر ملف الشريف بين الويدان، الذي أطاح بمدير أمن القصور عبد العزيز إيزو،عن تورط رجال الأمن في دعم شبكات المخدرات، إذ أكد المتهم الرئيسي في محاضر الضابطة القضائية، قبل أن يتراجع عنها أمام هيأة المحكمة ابتدائيا واستئنافيا، أنه كانت تربطه علاقات متشابكة ومتداخلة، مع عدد من عناصر الأمن والدرك والقوات المساعدة، من رتب ومستويات مختلفة، وهو ما أدى إلى متابعة عدد من المسؤولين في هذه المصالح، وفق قرار الإحالة الذي يتكون من 700 صفحة. وشملت التحقيقات في هذا الملف، الفترة الممتدة من 1996 إلى سنة 2003، وهو تاريخ انفجار ملف منير الرماش ومن معه، وهي الفترة أيضا التي عمل خلالها إيزو في ولاية أمن طنجة، رئيسا للشرطة القضائية ورئيسا لولاية الأمن، قبل أن يجري تعيينه مديرا لأمن القصور الملكية، ويعفى إلى جانب عدد من المسؤولين بتعليمات ملكية، حسب بلاغ صادر عن وزارة الداخلية.
انطلقت المحاكمة وحاول كل المتهمين التراجع عن تصريحاتهم السابقة، التي اعتبروها غير صحيحة ومزورة. ومابين الحكم الابتدائي والاستئنافي ظل المتهمون يرددون التصاريح نفسها، وتراجع المتهم الرئيسي عن اتهاماته السابقة، ليسدل الستار عن الملف في المرحلة الاستئنافية، بأحكام ظلت محط علامات استفهام، إذ تم رفع العقوبة في حق خمسة متهمين، بعد أن قضت غرفة الجنايات الاستئنافية بالبيضاء، بعشر سنوات سجنا نافذا وبغرامة مالية بقيمة100 ألف درهم في حق الشريف بين الويدان مع مصادرة جميع أملاكه العقارية والمالية.
ثم تلتها العديد من الملفات التي سارت في الاتجاه نفسه، وأبانت عن تورط الأمنيين. ورغم المحاكمات والإدانة التي صدرت في حق المتورطين إلا أن ذلك لم يحد من تورط رجال الأمن في شبكات ترويج المخدرات التي تتفنن في كل مرة في اصطياد عدد مهم منهم، ليصبحوا تحت أمرها وينفذوا تعليماتها عوض تطبيق القانون.
ويرى البعض أن مثل هذه الملفات تثار حولها ضجة إعلامية رغم أن الأمر يتعلق بحالات فردية، إلا أن ذلك لا يعد تبريرا لانتهاك القانون من قبل حراسه.